محمد خروب
جولات استانا في نسختها السابعة التي تبدأ يوم غد الاثنين.. لن تكون كسابقاتها، رغم ان أحداً يتخلّف عنه، لا من الضامنين الثلاثة، روسيا، ايران وتركيا، ولا وفد الحكومة السورية وبالتأكيد فصائل المعارضة المسلّحة، التي باتت «لا تقوى» بفعل الظروف الميدانية والمتغيرات المتلاحقة على المشهد السوري بتعقيداته وانجازاته على حد سواء، على قول «لا» او التلويح بالمقاطعة.
الجديد في الجولة الجديدة لأستانا، هو اللعبة الخطيرة التي بدأتها تركيا, بعد ان حازت تفويضاً هي وروسيا كي تقومان بفرض ورعاية منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب, التي تسيطرعلى قرارها الفِعلي والميداني جبهة النصرة/ فتح الشام/ هيئة تحرير الشام – سمّها ما شئت – والتي نجحت في «إخضاع» كل الجماعات المسلحة لقرارها، فأنيط بالقوات التركية ترجمة تخفيض التصعيد داخلياً, اي إجبار النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا الموضوعة على قائمة الارهاب) الالتزام بالتخفيض، فيما تتولى القوات الجوفضائية الروسية, السهر على تنفيذها من خارج حدود المحافظة.. وخصوصاً جوياً.
شيء من هذا لم يحدث تُركِيّاً، بل دخلت طلائع الشرطة العسكرية التركية بحماية وتنسيق مع افراد جبهة النصرة وآليات الدفع الرباعي التابعة لها، والنقاط الثابتة التي اقامتها لاحقاً القوات التركية (قليلة العدد والتجهيز, كما اظهرت التقارير الصحافية المصورة)، انما كانت بموافقة جبهة النصرة, وخصوصاً ان «جحافل» الجيش التركي دخلت تحت اسم عملية «درع الفرات» ما يعني ان هدفها (كان واستمرّ) إفشال مسعى كرد سوريا او ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد), التي هي مخلب قط ومرتزقة في يد المحتل الاميركي في سوريا، لإقامة كانتون كردي في الشمال السوري، ليصبح الهدف التركي من كل عملية «الضمان»هذه, هو الاإستيلاء على منطقة «عفرين» التابعة ادارياً لمحافظة حلب, ما يعني ان مواجهة حامية وخطيرة مع الجيش السوري ستكون مُؤكَّدة, إذا ما مضى الجيش التركي قدماً في هذا الاتجاه, الذي قال الرئيس التركي بزهو يكشف ما كان أضمره منذ وقت طويل وأمام اجتماع النواب حزبه (العدالة والتنمية) في البرلمان التركي:.. لقد أثمرت العملية في إدلب بشكل كبير، والمُقبِل سيكون عفرين – مُستطرِداً في نشوة: قبل هذا.. ماذا قلنا؟ قد نأتي فجأة في اي ليلة، قد نضرب فجأة في اي ليلة.
لا يُخفي اردوغان أهدافه.. لكن السؤال الاكثر خطورة.. هل خدَع الرئيس التركي «شريكته» روسيا في ضمان منطقة خفض التصعيد.. في إدلب؟
الظاهر بل المؤكد ان الجواب.. «نعم», رغم التصريح اللافت والمثير الذي ادلى به ديمتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس بوتين, عندما قال قبل أيام: إن تركيا كدولة مشاركة في عملية استانا، «تُنسّق» اعمالها في سوريا مع روسيا (...) مُضيفاً في رد على سؤال حول موقف موسكو من «مزاعِم» عن محاولة انقرة عقد صفقة مع هيئة تحرير الشام لضمان وقف اطلاق النار بالقول: الجانب التركي مسؤول عن ضمان الأمن في منطقة خفض التصعيد, وهو «يُنفِّذ» هذه الوظائف, مُستدرِكاً (ربما عن حرج):لا أعرف التفاصيل، على الأرجح من الضروري – قال بيسكوف – التوجّه بالسؤال الى وزارة الدفاع الروسية.
نحن إذاً أمام لعبة ليست «معقدة» بمعنى مكشوفة.. وإن كانت خطيرة, يقوم بها اردوغان لإعادة خلط المشهد السوري (بانخراط اميركي مُشابِه, وإن كان التنسيق بين انقرة وواشنطن في هذه المسألة ليس قائماً, كون الاخيرة تدعم كرد سوريا فيما انقرة تسعى لإفشال كونفدراليتهم المزعومة)، بعد ان احرز الجيش السوري وحلفاؤه انتصارات وحققوا انجازات, كانت ستضع حداً للارهابيين ومشروعهم الإجرامي, لكن الاميركان والاتراك (كل من ناحيته، فهدفهما واحد وإن اختلفا في التفاصيل)، لا يزالان يحلمان بتقسيم سوريا وإفشال الحل السياسي للأزمة, التي اوشكت على طي عامها السابع.
وإلاّ... ما معنى ان ينخرط الاميريكون في صفقات مباشرة ومكشوفة مع داعش في الرقة وفي دير الزور وخصوصاً حقل العمر النفطي وما حوله, مقابل تأمين سلامتهم وتركهم يذهبون الى دير الزور او البوكمال مع اسلحتهم وعتادهم ودون اطلاق رصاصة واحدة, كي يقطعوا الطريق على الجيش السوري للوصول الى تلك الحقول, فيما كان لا يبعد عنها سوى أقل من ثلاث كيلومترات, أما مرتزقة «قسد» فكانت على مبعدة اكثر من اربعين كيلومتراً؟
ثم ما معنى ان «يتعايش» اردوغان مع مرعييه من النصرة ويترك لهم حرية العمل وحمل السلاح والقرار في إدلب المدينة والمحافظة، ولا يلتزم بقرارات استانا وتفويضه ضمان منطقة خفض التصعيد فيها، ليتّجِه الى محاصرة عفرين ثم الوقوف على خطوط تماس مع الجيش السوري في محافظة حلب، لتحقيق اهدافه ليس فقط في الحؤول دون اكتمال الـ»كرويدور» الكردي الذي لم يكتمل اصلاً, بعد ان صدّعته عملية «درع الفرات» التي خدع بها روسيا أيضاً, عندما لم يلتزم «العمق» الذي سُمح له بالوصول اليه؟ وبات يُسيطر في تلك العملية الاستعمارِية الاهداف, على مساحات شاسعة من الشمال السوري؟ وأيضاً.. كيف يُعقَل ان الجيش التركي استُقبِل من قبل ارهابيي النصرة بهتافات الترحيب بـ»أحفاد محمد الفاتح» والأعلام التركية؟ فيما يدّعي الاتراك انهم يحاربون الإرهاب؟ ثم إعلانهم إحياء «جُثة» الحكومة السورية المؤقتة التي اقامها ادوتهم في إئتلاف اسطنبول؟
اجتماع غد في استانا وخصوصاً روسيا, مدعوتان للإجابة على سؤال: ما إذا كانت تركيا.. ضامِنة ام مُحتلَّة؟ وبخاصة انها عارضَت انضمام مصر (والامارات أيضاً) الى عضوية مسار.. استانا.
[email protected]